مواضيع مماثلة
بحـث
المواضيع الأخيرة
مقدمة ديوان حاج الطيب ود بدر
صفحة 1 من اصل 1
مقدمة ديوان حاج الطيب ود بدر
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة ديوان حاج الطيب ود بدر
صاحب هذا الديوان هو حاج الطيب إبن العارف بالله الشيخ محمد بدر المشهور بالعبيد. ولد حاج الطيب عام 1267هـ، وهو العام الذي جلس فيه الشيخ العبيد لسلوك السالكين وتربية المريدين وذاع صيته.
والدته العازة بنت بركات حسانية كاهلية ووالدتها هي النسيم أخت الفكي مقبول ود عقيرب "وقد أيده الشيخ العبيد" لأمه. وقد خطبها الشيخ العبيد بواسطة الشيخ الأمين ود أم حقين، وقد برر الشيخ زواجه من العازة بقوله: في بطنها صحابة. فأنجبت ستة من الأبناء الذكور ليس بينهم بنت وهم بترتيب مولدهم: الفكي إبراهيم – حاج الطيب – الشيخ الطاهر – الفكي عبد الرحمن "توفي صغيراً" – الفكي خالد الكبير "توفي صغيراً" – الشيخ العباس.
نشأته وحفظه للقرآن:
كان الشيخ ود بدر حريصاً على تعليم أبناءه للقرآن ذكوراً وإناثاً منذ أن تتفتح أذهانهم، لذا فقد دخل حاج الطيب الخلوة وهو إبن خمس سنين وحفظ القرآن وهو إبن عشر سنين، فوجد نفسه ينشأ في ظل والد عصامي داعية للإسلام، مرشداً ومربياً لأبناء المسلمين الطالبين للعلم والإرشاد، منفقاً كريماً ذا أخلاق عالية، متواضعاً، قوي الإرادة لا يلين ولا يفتر بطاقة لا تعرف السكون ولا الراحة، يومه كله إما عابداً منقطعاً لله، أو مقبلاً على قضاء حوائج المسلمين، أو مرشداً في حلقة الدرس... أعطاه الله الحكَمْة، فكانت كلماته الإرشادية تخرج سجعاً كالدرر فيتلقفها الناس ويتناقلونها، يحدث بها بعضهم البعض بقولهم: الشيخ قال......
في هذا الجو العبق المشبع بالقرآن ترتيلاً وتجويداً وحفظاً وشرحاً... نشأ حاج الطيب فوجد والده أمامه يسد عليه الأفق فتشرب بحب هذا الوالد الفريد فتعلق به هياماً وحباً فصدح شعراً:
بدراً مفهوم بدراً سلى لي دار الشوم
بانظم له أشعاري
وقد خص والده في هذا الديوان بست عشرة قصيدة يمتدحه ويظهر في نقائبه ومكانته بين الأولياء والصالحين... ويظهر مدى إقبال الناس عليه، وخصوصاً وأن الشيخ كان يؤسس للطريق ويدعو إلى الدين والإصلاح ومكارم الأخلاق، فيتجاوب الناس معه، ولهذا يشير حاج الطيب بقوله:
بحرنا أبجول الإنملا كل حول
جلب فحول يمنه وشمال العول
وأبحر حاج الطيب وعبر مرحلة البِر إلى مرحلة الحب، وهي درجة أكبر من البِر، فتفجر الحب شعراً إلى أن كان ذات يوم في حلقة الذكر والشيخ يتقدمهم، وبدأ حاج الطيب قصيدته التي بدأها قائلاً:
يا أبي... يا أبي بدر القوم مرحب بي
شيء لله بالقطب
فإلتفت الشيخ مداعباً لإبنه وقال: يطرشني ما سمعت ولداً بيشكر أبوه!! فرد عليه حاج الطيب بقوله: يطرشني ما سمعت بأب زي أبوي!!. بمثل هذا الحب والود واللطف كانت العلاقة بينه وبين والده، ولك أن تبحث وتستمتع بهذه الروح وأنت تطالع هذا الديوان.
ويروي الوالد الفكي خالد أن حاج الطيب بعد أن حفظ القرآن وأخذ قسطاً من العلم على والده الشيخ العبيد، إلتحق بالشيخ محمد الخير أستاذ الإمام المهدي، حيث تلقى علوم الفقه والتوحيد على يديه، ويظهر أثر الدراسة في شعره خاصة التوحيد في قصيدته "عمر ديوان الأولياء" وكثير من قصيده، حيث يقول:
بسم الله في باديا منزه ذاته القدسية
قديم علمه أزليا محال يكون بديهية
والمعنى الواضح أن علم الله سبحانه وتعالى قديم أزلي "الواجب في حقه تعالى" ويستحيل أن يكون علم الله تعالى حادثاً وهذا شيء بديهي "المستحيل في حقه تعالى".
الزواج والحج:
تزوج بإبنة عمه حليمة بنت الفكي سعد وأنجب منها ولديه الوحيدين نور الدائم وكَمْال الدين، وذلك بعد تسع سنوات من الزواج، ولهذا قصة تحكى، وهي أن الشيخ ود بدر قد أخبر تلميذه الشيخ الأمين "صقر البرزن" بتأخر الإنجاب لحاج الطيب، فقام الشيخ الأمين من مكانه وضرب الطبل وهو يقول: شيء لله بالزينين نور الدائم وكَمْال الدين، حتى وصل منزل حاج الطيب ودار حوله وهو يردد هذا المقطع، فكان أن رزق الله حاج الطيب بإبنيه الوحيدين نور الدائم وكَمْال الدين. أما كَمْال الدين فقد توفى صغيراً وأما نور الدائم فهو الذي إنحدرت منه أسرة حاج الطيب.
ثم تزوج من قرية أم دوم فردوس الخليفة موسى سليلة الشيخ عبد الصادق الكبير ولم ينجب منها، وتزوجها من بعده شقيقه الشيخ الطاهر، وعند دخوله بها رأى حاج الطيب بالغرفة فطلقها. ثم تزوج من قرية الصَلُّوعَاب غرب المتمة ببنت أبو عريف وهى جعلية سعدابية ولم ينجب منها. وقد رفضت الزواج بغيره أو الرجوع إلى أهلها حتى توفيت بأم ضواًبان ودفنت بالحصايا.
ثم ذهب لأداء فريضة الحج وعمره سبعة عشر عاماً، وعند مروره على كسلا نزل على السيد الحسن الميرغني، فقام له وإنتبه غاية الإنتباه وأكرمه كل الإكرام، فقال له بعض خلفائه: يا سيدي اليوم رأينا منك من الإنتباه بهذا ما لم نره لغيره!، فقال لهم: هذا إبن الشيخ محمد بدر فإنه إبن مبارك فقد رأيت حسناته شحنت الكون بأسره ولكن عمره قصير.
شيخاً لتعليم القرآن:
بعد رجوعه من الحج وفي العام 1285هـ إتخذ الشيخ ود بدر قراراً بالإستقرار النهائي بأم ضواًبان، وألقى عصا الترحال وأنهى بذلك فترة التنقل بين النخيرة وأم ضواًبان، والتي إمتدت لواحد وعشرين عاماً... في هذا العام 1285هـ، دفع بالسوط إلى إبنه حاج الطيب ليصبح بذلك شيخاً لتعليم القرآن في خلوة والده ود بدر... وحفظ على يديه 203 حافظاً تفصيلهم كالآتي:
"والأسماء محصورة في كتاب قلائد الدر في كرامات ود بدر للشيخ صالح الشيخ تاي الدين مع إضافة إسمين هما الفكي جميل الله من البشاقرة والفكي عبد الجليل من العيدج" أشهر من حفظ عليه هو شقيقه العباس والذي خلفه على تدريس القرآن الكريم وبدأ الخليفة حسب الرسول بن الشيخ الحفظ عليه ثم أكَمْله على يد أخيه الشيخ العباس.
وتقول الروايات أن الشيخ ود بدر كان يتفقد المسيد ليلاً، فذهب مرة يتفقد المسيدحتى يصل الركن فيجد رجلاً واقفاً فيسأل: منو الزول؟ فيجيبه: أنا الطيب!! حتى يننتهي للأركان الأربعة فيسأل نفس السؤال وتأتيه نفس الإجابة، أخيراً قال الشيخ: العندو الطيب ليش يحوم ما يدمدم ينوم!!.
عبادته:
لقد إشتهر بالزهد والورع والتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، فقد بنى غاراً فوق خلوته تأسياً برسول الله r. وكانت طريقة على العبادة، أخذ نفسه بها، وهي أن يكون ذكره لله سبحانه وتعالى بأول الآية "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم... الآية"، لهذا فقد كان له حبل من الجلد "قد" ربطه على سقف الغار يتدلى حتى يصل إلى مستوى الركبة، فيجعله حلقة دائرية "شراعة" ويدخل ركبته فيها مغالباً للنعاس والغفلة، ذاكراً لله تعالى وقوفاً حتى الفجر. وتجد في شعره أمثلة لذلك الوقوف والسهر في قصيدة "الكرام الكَمْل":
أحرت أحرت كفوفي وأقيم ليلي وقوفِ
سبِّل سبِّل سروفي كالكرخي المعروفِ
وظهر ذلك أيضاً في قصيدته "السراي شاقوني":
بالطي زينوا للجوفو وأكثروا من خوفو
سهر الليالي وقوفُ القرع بابو بشوفو
لقد مثل القصيد لحاج الطيب ترويحاً للنفس، فقد قال r: "روحوا عن قلوبكَمْ ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلَّت عميت". فبعد أن يقضي يومه تدريساً للقرآن وليله بين السبع والعبادة، يروح عن نفسه بأبيات وترنيمات المحبة لله ورسوله والصالحين من عباده الذين يرجو أن يكون منهم، لذا تجده غالباً ما يتحدث عن تجربة وأنه يعيش التصوف ويخبر عنه فليس من رأى كَمْن سمع، ففي قصيدته "جول فكرك" يقول:
ما شفت حضور جمعهم أيا محسور
كاسات النور تدور نقيع عسيل منشور
أو يخاطب نفسه معاتباً لها على عدم الطاعة وتقليل العبادة، مذكراً لها بالطائعين الذاكرين كَمْا في قصيدته "زاد نومي" فيقول:
نفسي الخداعة قالت أوجاعَها
طول الباعَ قلِّل الطاعة
ما شفتي الهمُّوا السفينة رمُّوا
بالله إتلمُّو بالنور إنعمُّوا
كان الشيخ ود بدر معجباً بقصيد إبنه حتى قال عنه ذات مرة: "قصيد الطيب ولدي نقش في حجر وجزَّة من بقر". وعن عبادته ذكر الفكي إسماعيل ود سعيد فقال: كنت لازمت حاج الطيب حيناً من الزمان، فكان يصوم رجب وشعبان ورمضان على التوالي، ويطوي عن الطعام والشراب ولا يدخل باطنه بارد ولا حار حتى تنتهي مدة الثلاثة أشهر. وذكر أيضاً: كنت أدخل عليه في بعض الأحيان ليلاً مظلماً فبصق فأضاء بصاقه كالسراج المنير.
مع الشيخ أبو كساوي:
نشأت بينه وبين الشيخ عبد القادر أبو كساوي الشاعر المشهور علاقة قوية "وأبو كساوي من تلاميذ الشيخ ود بدر الأوائل" فكانا يتجاريان في الشعر "القصيد" وقد بلغ عدد القصايد التي جارى أحدهما الآخر ثلاث عشرة قصيدة تقريباً، وحكيت طُرَف كثيرة ليس مجالها هنا، ولكن حين أنشد حاج الطيب قصيدته المشهورة وهي التوسل بسور القرآن الكريم كلها علق الشيخ عبد القادر بقوله: خلاص الدرب دخل الموية!!
والتوسل بالقرآن هي آخر قصيدة لحاج الطيب، ويقال أن آخر بيت قاله هو:
تمام ترتيب السجعا ** الباقي عشرة أربعا
بهم نعوذ من فزعا ** في لحدي أضجع وأغيب
وفاته:
إعتكف داخل خلوته "الغار" في العشر الأواخر من شهر رمضان 1295هـ "خلوة صمدية كَمْا يسمونها" وخرج من إعتكافه يوم عيد الفطر ولبس حُلَّة جديدة ووجهه يتوقد نوراً:
أحى الظلام بالعدد ** وبالنور جسمي يتوقد
ثم عمد إلى حلقة الذكر يحيط به طلابه، فوضع عليه الشيخ ود بدر الطاقية إيذاناً بشياخته وتأييده، ففرح تلاميذه لذلك وطربوا، وطار الخبر إلى والدته العازة بنت بركات فجاءت إلى الخلوة ومعها كرامة الطاقية ونحرت ثور أمام الخلوة، إلا أنها فوجئت بإبنها وعلامات عدم الرضاء تبدو على وجهه.. فنفسه لا تتوق إلى ذلك... ويرجع النظر فيرى أن والده يعده لما بعد وفاته... إذن سينتقل حبه إلى الرفيق الأعلى... ويا لها من مصيبة... إذ كيف الحياة بعد الشيخ. فدلف إلى داخل الخلوة وقال لتلميذه دفع الله ود حمد: أسأل الله أن يجعل يومي قبل يومه "يعني والده"!!
وقد كان أن إستجاب الله دعوته، فما تم بعدها ثلاثة أيام حتى أخذته الحمى وبعد ثلاثة أسابيع فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها يوم الأربعاء عند دخول العشاء الخامس والعشرين من شهر شوال 1295هـ... وكان عمره إذاك ثمان وعشرين عاماً قضاها بين القرآن حفظاً وتجويداً وتدريساً... وقضاها بين علوم الفقه والتوحيد... وقضاها وهو يترنم بطبله حباً لله ورسوله والصالحين من عباده... رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه العلا من الجنان أنه ولي ذلك والقادر عليه آمين.
كراماته:
حدثني والدي الفكي خالد عن والده الفكي نور الدائم قال: دخل الماء على قبر والدنا حاج الطيب عن طريق طرنك "وهو شق بالأرض"، فأمر الشيخ ود بدر بنشر القبر وأرسل إبنه حاج الصديق "السائح" وكنت معه وأنا صغير أعي الأشياء، وأخرجوا والدنا من القبر فوجدوه كَمْا هو لم يتغير ولم تأكله الأرض ورأيت وجهه كاملاً وكانت هي المرة الأولى والأخيرة لرؤيته.
وحدثت أحوال ليس هذا مجال ذكرها، فكانت من الكرامات، وأن كانت حياته القصيرة المليئة بالأعمال الصالحة مع الإستقامة خير من ألف كرامة. شهد له والده الشيخ ود بدر حيث قال: إن روح الطيب إبني ما خرجت من الدنيا حتى بلغت درجة الشيخ الطيب بن البشير.
وبعد فهذه وقفات سريعة مع شاب نشأ في عبادة الله ومات عليها.. ذهب جسمه وبقيت روحه وكلماته تعطر مجالس الذكر... ذكرى للعابدين وكأن الحديث القدسي يرفرف عليه "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاب نشأ في عبادة الله.... الحديث" فليرحمه الله ويبلغه مناه ولتكن آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
خلفاؤه:
1) خليفته الأول هو الفكي نور الدائم إبنه الوحيد "1876 – 1939م" الموافق "1293 – 1357هـ"وهو الذي ربط العلاقة مع تلاميذ والده بالعيدج الذين كان لهم دور أيضاً في ربطه معهم، وأسس بها خلوة العيدج الأولى.
2) خليفته الثاني هو الفكي خالد الفكي نور الدائم وهو الذي بنى خلاوي القرآن وأوقد ناره بالعيدج وحفر عدة آبار بقرى مختلفة، وحفر حفير ود السائح بقبوحة، وبنى المدرسة القرآنية بالعيدج، وجهز أرض خارج القرية لبناء مجمع حاج الطيب لتدريس القرآن وعلومه، وحفر البئر وله أعمال جليلة في الإرشاد، توفي 13/8/1986م بالأراضي المقدسة بعد أن حج ثمان وعشرين حجة وقبر بالمعلا بمكة المكرمة، وكانت مدة خلافته 47 عاماً "1939 – 1986م".
3) الخليفة الثالث هو الخليفة الصديق الفكي خالد الذي بنى مجمع خلاوي حاج الطيب وحول الخلاوي إلى المجمع، ونقل تدريس القرآن إليه، توفي يوم 19/11/2004م عن عمر يناهز السبعين عاماً "1934 – 2004م"، وكانت مدة خلافته 18 عاماً (1986 – 2004م".
4) الخليفة الرابع هو الخليفة الصادق الفكي خالد وهو الخليفة الحالي ويقوم بمهمة الخلوة بالعيدج وأم ضواًبان نسأل الله له التوفيق.
إبراهيم الفكي خالد الفكي نور الدائم
أم ضواًبان
رمضان 1429هـ - سبتمبر 2008م
نقلا عن ديوان حاج الطيب
مقدمة ديوان حاج الطيب ود بدر
صاحب هذا الديوان هو حاج الطيب إبن العارف بالله الشيخ محمد بدر المشهور بالعبيد. ولد حاج الطيب عام 1267هـ، وهو العام الذي جلس فيه الشيخ العبيد لسلوك السالكين وتربية المريدين وذاع صيته.
والدته العازة بنت بركات حسانية كاهلية ووالدتها هي النسيم أخت الفكي مقبول ود عقيرب "وقد أيده الشيخ العبيد" لأمه. وقد خطبها الشيخ العبيد بواسطة الشيخ الأمين ود أم حقين، وقد برر الشيخ زواجه من العازة بقوله: في بطنها صحابة. فأنجبت ستة من الأبناء الذكور ليس بينهم بنت وهم بترتيب مولدهم: الفكي إبراهيم – حاج الطيب – الشيخ الطاهر – الفكي عبد الرحمن "توفي صغيراً" – الفكي خالد الكبير "توفي صغيراً" – الشيخ العباس.
نشأته وحفظه للقرآن:
كان الشيخ ود بدر حريصاً على تعليم أبناءه للقرآن ذكوراً وإناثاً منذ أن تتفتح أذهانهم، لذا فقد دخل حاج الطيب الخلوة وهو إبن خمس سنين وحفظ القرآن وهو إبن عشر سنين، فوجد نفسه ينشأ في ظل والد عصامي داعية للإسلام، مرشداً ومربياً لأبناء المسلمين الطالبين للعلم والإرشاد، منفقاً كريماً ذا أخلاق عالية، متواضعاً، قوي الإرادة لا يلين ولا يفتر بطاقة لا تعرف السكون ولا الراحة، يومه كله إما عابداً منقطعاً لله، أو مقبلاً على قضاء حوائج المسلمين، أو مرشداً في حلقة الدرس... أعطاه الله الحكَمْة، فكانت كلماته الإرشادية تخرج سجعاً كالدرر فيتلقفها الناس ويتناقلونها، يحدث بها بعضهم البعض بقولهم: الشيخ قال......
في هذا الجو العبق المشبع بالقرآن ترتيلاً وتجويداً وحفظاً وشرحاً... نشأ حاج الطيب فوجد والده أمامه يسد عليه الأفق فتشرب بحب هذا الوالد الفريد فتعلق به هياماً وحباً فصدح شعراً:
بدراً مفهوم بدراً سلى لي دار الشوم
بانظم له أشعاري
وقد خص والده في هذا الديوان بست عشرة قصيدة يمتدحه ويظهر في نقائبه ومكانته بين الأولياء والصالحين... ويظهر مدى إقبال الناس عليه، وخصوصاً وأن الشيخ كان يؤسس للطريق ويدعو إلى الدين والإصلاح ومكارم الأخلاق، فيتجاوب الناس معه، ولهذا يشير حاج الطيب بقوله:
بحرنا أبجول الإنملا كل حول
جلب فحول يمنه وشمال العول
وأبحر حاج الطيب وعبر مرحلة البِر إلى مرحلة الحب، وهي درجة أكبر من البِر، فتفجر الحب شعراً إلى أن كان ذات يوم في حلقة الذكر والشيخ يتقدمهم، وبدأ حاج الطيب قصيدته التي بدأها قائلاً:
يا أبي... يا أبي بدر القوم مرحب بي
شيء لله بالقطب
فإلتفت الشيخ مداعباً لإبنه وقال: يطرشني ما سمعت ولداً بيشكر أبوه!! فرد عليه حاج الطيب بقوله: يطرشني ما سمعت بأب زي أبوي!!. بمثل هذا الحب والود واللطف كانت العلاقة بينه وبين والده، ولك أن تبحث وتستمتع بهذه الروح وأنت تطالع هذا الديوان.
ويروي الوالد الفكي خالد أن حاج الطيب بعد أن حفظ القرآن وأخذ قسطاً من العلم على والده الشيخ العبيد، إلتحق بالشيخ محمد الخير أستاذ الإمام المهدي، حيث تلقى علوم الفقه والتوحيد على يديه، ويظهر أثر الدراسة في شعره خاصة التوحيد في قصيدته "عمر ديوان الأولياء" وكثير من قصيده، حيث يقول:
بسم الله في باديا منزه ذاته القدسية
قديم علمه أزليا محال يكون بديهية
والمعنى الواضح أن علم الله سبحانه وتعالى قديم أزلي "الواجب في حقه تعالى" ويستحيل أن يكون علم الله تعالى حادثاً وهذا شيء بديهي "المستحيل في حقه تعالى".
الزواج والحج:
تزوج بإبنة عمه حليمة بنت الفكي سعد وأنجب منها ولديه الوحيدين نور الدائم وكَمْال الدين، وذلك بعد تسع سنوات من الزواج، ولهذا قصة تحكى، وهي أن الشيخ ود بدر قد أخبر تلميذه الشيخ الأمين "صقر البرزن" بتأخر الإنجاب لحاج الطيب، فقام الشيخ الأمين من مكانه وضرب الطبل وهو يقول: شيء لله بالزينين نور الدائم وكَمْال الدين، حتى وصل منزل حاج الطيب ودار حوله وهو يردد هذا المقطع، فكان أن رزق الله حاج الطيب بإبنيه الوحيدين نور الدائم وكَمْال الدين. أما كَمْال الدين فقد توفى صغيراً وأما نور الدائم فهو الذي إنحدرت منه أسرة حاج الطيب.
ثم تزوج من قرية أم دوم فردوس الخليفة موسى سليلة الشيخ عبد الصادق الكبير ولم ينجب منها، وتزوجها من بعده شقيقه الشيخ الطاهر، وعند دخوله بها رأى حاج الطيب بالغرفة فطلقها. ثم تزوج من قرية الصَلُّوعَاب غرب المتمة ببنت أبو عريف وهى جعلية سعدابية ولم ينجب منها. وقد رفضت الزواج بغيره أو الرجوع إلى أهلها حتى توفيت بأم ضواًبان ودفنت بالحصايا.
ثم ذهب لأداء فريضة الحج وعمره سبعة عشر عاماً، وعند مروره على كسلا نزل على السيد الحسن الميرغني، فقام له وإنتبه غاية الإنتباه وأكرمه كل الإكرام، فقال له بعض خلفائه: يا سيدي اليوم رأينا منك من الإنتباه بهذا ما لم نره لغيره!، فقال لهم: هذا إبن الشيخ محمد بدر فإنه إبن مبارك فقد رأيت حسناته شحنت الكون بأسره ولكن عمره قصير.
شيخاً لتعليم القرآن:
بعد رجوعه من الحج وفي العام 1285هـ إتخذ الشيخ ود بدر قراراً بالإستقرار النهائي بأم ضواًبان، وألقى عصا الترحال وأنهى بذلك فترة التنقل بين النخيرة وأم ضواًبان، والتي إمتدت لواحد وعشرين عاماً... في هذا العام 1285هـ، دفع بالسوط إلى إبنه حاج الطيب ليصبح بذلك شيخاً لتعليم القرآن في خلوة والده ود بدر... وحفظ على يديه 203 حافظاً تفصيلهم كالآتي:
"والأسماء محصورة في كتاب قلائد الدر في كرامات ود بدر للشيخ صالح الشيخ تاي الدين مع إضافة إسمين هما الفكي جميل الله من البشاقرة والفكي عبد الجليل من العيدج" أشهر من حفظ عليه هو شقيقه العباس والذي خلفه على تدريس القرآن الكريم وبدأ الخليفة حسب الرسول بن الشيخ الحفظ عليه ثم أكَمْله على يد أخيه الشيخ العباس.
وتقول الروايات أن الشيخ ود بدر كان يتفقد المسيد ليلاً، فذهب مرة يتفقد المسيدحتى يصل الركن فيجد رجلاً واقفاً فيسأل: منو الزول؟ فيجيبه: أنا الطيب!! حتى يننتهي للأركان الأربعة فيسأل نفس السؤال وتأتيه نفس الإجابة، أخيراً قال الشيخ: العندو الطيب ليش يحوم ما يدمدم ينوم!!.
عبادته:
لقد إشتهر بالزهد والورع والتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، فقد بنى غاراً فوق خلوته تأسياً برسول الله r. وكانت طريقة على العبادة، أخذ نفسه بها، وهي أن يكون ذكره لله سبحانه وتعالى بأول الآية "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم... الآية"، لهذا فقد كان له حبل من الجلد "قد" ربطه على سقف الغار يتدلى حتى يصل إلى مستوى الركبة، فيجعله حلقة دائرية "شراعة" ويدخل ركبته فيها مغالباً للنعاس والغفلة، ذاكراً لله تعالى وقوفاً حتى الفجر. وتجد في شعره أمثلة لذلك الوقوف والسهر في قصيدة "الكرام الكَمْل":
أحرت أحرت كفوفي وأقيم ليلي وقوفِ
سبِّل سبِّل سروفي كالكرخي المعروفِ
وظهر ذلك أيضاً في قصيدته "السراي شاقوني":
بالطي زينوا للجوفو وأكثروا من خوفو
سهر الليالي وقوفُ القرع بابو بشوفو
لقد مثل القصيد لحاج الطيب ترويحاً للنفس، فقد قال r: "روحوا عن قلوبكَمْ ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلَّت عميت". فبعد أن يقضي يومه تدريساً للقرآن وليله بين السبع والعبادة، يروح عن نفسه بأبيات وترنيمات المحبة لله ورسوله والصالحين من عباده الذين يرجو أن يكون منهم، لذا تجده غالباً ما يتحدث عن تجربة وأنه يعيش التصوف ويخبر عنه فليس من رأى كَمْن سمع، ففي قصيدته "جول فكرك" يقول:
ما شفت حضور جمعهم أيا محسور
كاسات النور تدور نقيع عسيل منشور
أو يخاطب نفسه معاتباً لها على عدم الطاعة وتقليل العبادة، مذكراً لها بالطائعين الذاكرين كَمْا في قصيدته "زاد نومي" فيقول:
نفسي الخداعة قالت أوجاعَها
طول الباعَ قلِّل الطاعة
ما شفتي الهمُّوا السفينة رمُّوا
بالله إتلمُّو بالنور إنعمُّوا
كان الشيخ ود بدر معجباً بقصيد إبنه حتى قال عنه ذات مرة: "قصيد الطيب ولدي نقش في حجر وجزَّة من بقر". وعن عبادته ذكر الفكي إسماعيل ود سعيد فقال: كنت لازمت حاج الطيب حيناً من الزمان، فكان يصوم رجب وشعبان ورمضان على التوالي، ويطوي عن الطعام والشراب ولا يدخل باطنه بارد ولا حار حتى تنتهي مدة الثلاثة أشهر. وذكر أيضاً: كنت أدخل عليه في بعض الأحيان ليلاً مظلماً فبصق فأضاء بصاقه كالسراج المنير.
مع الشيخ أبو كساوي:
نشأت بينه وبين الشيخ عبد القادر أبو كساوي الشاعر المشهور علاقة قوية "وأبو كساوي من تلاميذ الشيخ ود بدر الأوائل" فكانا يتجاريان في الشعر "القصيد" وقد بلغ عدد القصايد التي جارى أحدهما الآخر ثلاث عشرة قصيدة تقريباً، وحكيت طُرَف كثيرة ليس مجالها هنا، ولكن حين أنشد حاج الطيب قصيدته المشهورة وهي التوسل بسور القرآن الكريم كلها علق الشيخ عبد القادر بقوله: خلاص الدرب دخل الموية!!
والتوسل بالقرآن هي آخر قصيدة لحاج الطيب، ويقال أن آخر بيت قاله هو:
تمام ترتيب السجعا ** الباقي عشرة أربعا
بهم نعوذ من فزعا ** في لحدي أضجع وأغيب
وفاته:
إعتكف داخل خلوته "الغار" في العشر الأواخر من شهر رمضان 1295هـ "خلوة صمدية كَمْا يسمونها" وخرج من إعتكافه يوم عيد الفطر ولبس حُلَّة جديدة ووجهه يتوقد نوراً:
أحى الظلام بالعدد ** وبالنور جسمي يتوقد
ثم عمد إلى حلقة الذكر يحيط به طلابه، فوضع عليه الشيخ ود بدر الطاقية إيذاناً بشياخته وتأييده، ففرح تلاميذه لذلك وطربوا، وطار الخبر إلى والدته العازة بنت بركات فجاءت إلى الخلوة ومعها كرامة الطاقية ونحرت ثور أمام الخلوة، إلا أنها فوجئت بإبنها وعلامات عدم الرضاء تبدو على وجهه.. فنفسه لا تتوق إلى ذلك... ويرجع النظر فيرى أن والده يعده لما بعد وفاته... إذن سينتقل حبه إلى الرفيق الأعلى... ويا لها من مصيبة... إذ كيف الحياة بعد الشيخ. فدلف إلى داخل الخلوة وقال لتلميذه دفع الله ود حمد: أسأل الله أن يجعل يومي قبل يومه "يعني والده"!!
وقد كان أن إستجاب الله دعوته، فما تم بعدها ثلاثة أيام حتى أخذته الحمى وبعد ثلاثة أسابيع فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها يوم الأربعاء عند دخول العشاء الخامس والعشرين من شهر شوال 1295هـ... وكان عمره إذاك ثمان وعشرين عاماً قضاها بين القرآن حفظاً وتجويداً وتدريساً... وقضاها بين علوم الفقه والتوحيد... وقضاها وهو يترنم بطبله حباً لله ورسوله والصالحين من عباده... رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه العلا من الجنان أنه ولي ذلك والقادر عليه آمين.
كراماته:
حدثني والدي الفكي خالد عن والده الفكي نور الدائم قال: دخل الماء على قبر والدنا حاج الطيب عن طريق طرنك "وهو شق بالأرض"، فأمر الشيخ ود بدر بنشر القبر وأرسل إبنه حاج الصديق "السائح" وكنت معه وأنا صغير أعي الأشياء، وأخرجوا والدنا من القبر فوجدوه كَمْا هو لم يتغير ولم تأكله الأرض ورأيت وجهه كاملاً وكانت هي المرة الأولى والأخيرة لرؤيته.
وحدثت أحوال ليس هذا مجال ذكرها، فكانت من الكرامات، وأن كانت حياته القصيرة المليئة بالأعمال الصالحة مع الإستقامة خير من ألف كرامة. شهد له والده الشيخ ود بدر حيث قال: إن روح الطيب إبني ما خرجت من الدنيا حتى بلغت درجة الشيخ الطيب بن البشير.
وبعد فهذه وقفات سريعة مع شاب نشأ في عبادة الله ومات عليها.. ذهب جسمه وبقيت روحه وكلماته تعطر مجالس الذكر... ذكرى للعابدين وكأن الحديث القدسي يرفرف عليه "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاب نشأ في عبادة الله.... الحديث" فليرحمه الله ويبلغه مناه ولتكن آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
خلفاؤه:
1) خليفته الأول هو الفكي نور الدائم إبنه الوحيد "1876 – 1939م" الموافق "1293 – 1357هـ"وهو الذي ربط العلاقة مع تلاميذ والده بالعيدج الذين كان لهم دور أيضاً في ربطه معهم، وأسس بها خلوة العيدج الأولى.
2) خليفته الثاني هو الفكي خالد الفكي نور الدائم وهو الذي بنى خلاوي القرآن وأوقد ناره بالعيدج وحفر عدة آبار بقرى مختلفة، وحفر حفير ود السائح بقبوحة، وبنى المدرسة القرآنية بالعيدج، وجهز أرض خارج القرية لبناء مجمع حاج الطيب لتدريس القرآن وعلومه، وحفر البئر وله أعمال جليلة في الإرشاد، توفي 13/8/1986م بالأراضي المقدسة بعد أن حج ثمان وعشرين حجة وقبر بالمعلا بمكة المكرمة، وكانت مدة خلافته 47 عاماً "1939 – 1986م".
3) الخليفة الثالث هو الخليفة الصديق الفكي خالد الذي بنى مجمع خلاوي حاج الطيب وحول الخلاوي إلى المجمع، ونقل تدريس القرآن إليه، توفي يوم 19/11/2004م عن عمر يناهز السبعين عاماً "1934 – 2004م"، وكانت مدة خلافته 18 عاماً (1986 – 2004م".
4) الخليفة الرابع هو الخليفة الصادق الفكي خالد وهو الخليفة الحالي ويقوم بمهمة الخلوة بالعيدج وأم ضواًبان نسأل الله له التوفيق.
إبراهيم الفكي خالد الفكي نور الدائم
أم ضواًبان
رمضان 1429هـ - سبتمبر 2008م
نقلا عن ديوان حاج الطيب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين أكتوبر 26, 2015 5:34 am من طرف خدام الجناب المحمدي
» الليل أغطش لوضوك في الطش
الإثنين أكتوبر 26, 2015 5:24 am من طرف خدام الجناب المحمدي
» أدب المديح النبوي في السودان
السبت يوليو 04, 2015 2:12 am من طرف حافظكو
» ادب المديح النبوي
السبت يوليو 04, 2015 2:10 am من طرف حافظكو
» ﻟَﻴْﺲَ ﺍﻟﻐَﺮﻳﺐُ ﻏَﺮﻳﺐَ ﺍﻟﺸَّﺄﻡِ ﻭﺍﻟﻴَﻤَﻦِ
الثلاثاء يونيو 23, 2015 4:45 am من طرف خدام الجناب المحمدي
» من وصايا الشيخ المكاشفي
الثلاثاء يونيو 23, 2015 4:41 am من طرف خدام الجناب المحمدي
» البحر المدير الكون؛ أستاذنا الرشيد مأمون
الثلاثاء يناير 27, 2015 6:44 am من طرف ابوزينب الشيخ
» مرادي الصادق المأمون ازورو وعندو أكون مضمون
الأحد يناير 25, 2015 6:23 am من طرف خدام الجناب المحمدي
» نشيدة الشيخ المكاشفي في الشيخ الكباشي
الأحد يناير 25, 2015 6:13 am من طرف خدام الجناب المحمدي